Friday, November 9, 2012

كيلا تصبح قضية مسلمي الروهنجيا منسية







بقلم: علي ابو النصر الرشيد
منذ أن فتحت عيني على الدنيا وأنا أسمع  عن محنة مسلمي بورما، والتي أصبح اسمها حاليا مينمار، وأسمع عن إقليم أراكان المسلم، وسكانه من "الروهنجيا"، والمظلومية التي لحقت بهم منذ عقود تقتيلا وتعذيبا وتشريدا، وأسمع عن منظمة "تضامن الروهنجيا"، وأسمع وأسمع ..، ولكن مما يؤسف أنني لم أكلف خاطري القراءة عن هذه المشكلة الإنسانية تجاه من تربطنا بهم آصرة الدين والأخوة، والتعرف عن هذا الشعب المسلم المظلوم الذي يعد بالملايين، وعن تاريخ مأساته، إلا بعد الأحداث الأخيرة في شهر يونيو، وبعد لقاء ماتع جمعني مؤخرا بالناشط البورمي ومدير تحرير (أراكان نيوز) عبد الرحيم أبو طاهر، وحينها أدركت كم نحن مقصرون بحق أنفسنا وثقافتنا وقضايانا الإسلامية.
تذكرت ذلك وأنا أراجع الذاكرة رواية للأديب نجيب الكيلاني، كنت قد قرأتها وأنا في المرحلة الإعدادية، وكيف أن أحداث الرواية بدأت من مكة المكرمة، ومن جوار بيت الله الحرام، بعد أن أدى الأديب الكيلاني صلاة الظهر، وخرج حيث تباع المسابح والسجاجيد الصغيرة والطواقي المزخرفة، ودار بينه وبين التاجر الذي وقف ليشتري منه هذا الحوار:
ـ من أي بلد أنت؟
-         تنهد وقد تبللت عيناه بالدموع : من تركستان.
فكر الكيلاني قليلا، ثم قال: أهي بلاد ملحقة بتركيا؟
وعلت الابتسامة الساخرة للبائع ظلال كآبة، وقال: المسلمون لا يعرفون بلادهم .. ما هي صنعتك؟
ـ طبيب من مصر.
ـ أفي بلاد الأزهر الشريف ولا تعرف تركستان؟!
حقاً لم تعد تركستان موجودة على الخارطة، وحلَّ محلها إقليم "شينجيانج"، لقد طمست الهوية، وسحق النظام الصيني إنسانية الإنسان، وحرم المسلمين من حقهم الطبيعي، وشجع القوميات الأخرى ـ وخاصة قومية "الهان" ـ على اتخاذ إقليم تركستان الشرقية وطناً لهم، في الوقت ذاته ضيقوا على المسلمين الأجور، ودفعوهم لترك وطنهم الغني بالموارد الطبيعية، والذي ينام على بحيرة من النفط والغاز الطبيعي.
وعودا إلى بورما، فقد اكتشفت من صديقي الإعلامي البورمي عبد الرحيم كيف أن الإسلام دخل إلى اقليم أراكان بهذه الدولة، منذ عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن الثاني للهجرة، الموافق للقرن السابع الميلادي، فاعتنق الإسلام عدد كبير من المسلمين المحليين، الذين يعرفون باسم "الروهنجيا"، ثم ما لبث أن تزايد عددهم إلى أن أصبح الإسلام دين الأغلبية فيها، ثم قامت دولة إسلامية في الإقليم عام 1430م، استمر بعده ينعم بحكم الإسلام 350 عاما، تعاقب على حكمه خلالها 48 ملكا وسلطانا مسلما، طبقوا فيه أحكام الشريعة الغراء، وحكّموا فيه شؤونهم العامة والخاصة، حتى اغتصبته حكومة بورما بقيادة البوذي المتطرف " بودو فيا" عام 1784م، ثم جاء الإنجليز ووقفوا إلى جانب البوذيين، وحرضوهم على قتل مسلمي أراكان.
وفي العصر الحديث عادت مشكلة مسلمي أراكان ببورما لتطل برأسها منذ نكبة فلسطين  1948م، عندما قرر الإنجليز منع استقلال أراكان، وقرروا ضمها لبورما لتصبح تحت نيران السيطرة البوذية منذ ذلك الوقت وحتى الآن، ولتبدأ فصول جديدة من السياسات الخبيثة ضد المسلمين، من تهجير قسري ومصادرة للأراضي.. وفي عام 1978و1991 ارتكبت مذابح ومجازر بحق مسلمي الروهنجيا من قبل الجيش البورمي الشيوعي، وصولا لمذبحة شهر يونيو الماضي؛ بغرض الالتفاف على الضغوط الدولية لمنح مسلمي الروهنجيا حق الجنسية وكافة حقوقهم المدنية الأخرى.
ليس معقولا ألا نعرف وألا يعرف أطفال وشباب المسلمين بلادهم، وتصبح قضايا بعض شعوبها نسيا منسيا مع مرور السنين والأعوام، وخصوصا الشعوب المظلومة المضطهدة، وهي جزء من تاريخ وجغرافية هذه الأمة ونسيجها الحضاري.
لذا؛ ما نقترحه، حتى لا نكتفي فقط بمتابعة الأخبار الساخنة عن هذه الشعوب، خصوصا عندما ترتكب بحقها الجرائم والفظائع، ما يلي:
·        تأليف الروايات الأدبية المستلهمة من تاريخ شعوبنا، والتعريف بقضاياها بأسلوب جذاب، بعيدا عن جفاف كتب التاريخ؛ لضمان اطلاع جيد عليها، وهذا ما فعله غير أديب إسلامي، ومن أبرزهم الدكتور نجيب الكيلاني، من خلال رواياته "عذراء جاكرتا"، و"ليالي تركستان"، و"عمالقة الشمال".
·        إنتاج الأعمال الدرامية والأفلام الوثائقية عن قضايا هذه الشعوب المسلمة، والكشف عن صفحاتها المجهولة، وما تعرضت له من إيذاء وعَنَت بسبب معتقدها.
·        تضمين مناهجنا على مستوى المرحلة الثانوية والجامعية مادة عن "حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة"، وعادة ما يقتصر تدريس مثل هذه المادة على دول محدودة وكليات محدودة، ككليات الشريعة والدراسات الإسلامية وأصول الدين.. بحيث يتعرف شبابنا على عالمه الإسلامي الكبير، وقضايا المسلمين، وأدوائها، وعلى ثروات العالم الإسلامي، وكيفية استغلالها وحمايتها من الأطماع، واستثمارها وتسخيرها، وعلى التحديات التي تواجه الحياة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، وكيفية تذليلها، فضلا عن التعرف على إخوانه في أقطار الأرض، ومشاركتهم قضاياهم.
وختاما... لا بد من الإشادة بكل جهد إنساني وحقوقي وإعلامي، في العالمين العربي والإسلامي، يسعى حاليا لتقديم العون الإغاثي العاجل، والتعريف بقضية مسلمي (أراكان)، ومناصرتهم لكفّ المظلومية عنهم، وتمكينهم من حقوقهم الإنسانية الأساسية، وحشد الدعم والجهود لصالحهم، ومنها مبادرة "التحالف الخيري نحو مسلمي بورما"، الذي أطلقته قبل أيام قليلة جمعيات خيرية قطرية وكويتية برئاسة الشيخ نبيل العوضي.

No comments:

Post a Comment