أبشع ما يمكن لصحفي أن يقوم به هو القبول باستجواب
إنسان مخطوف، محتجزة حريته ومهدد بوجود خاطفيه، كما لو كان حراً. والأنكى؟
أن يكون الاستجواب مناسبة ليردد المخطوف أمام العدسات، ما أجبره خاطفه،
الموجود الى جانبه، على التصريح به إثباتاً لحق الخاطف .. بخطفه!
اما الأبشع؟ فهو أن تتبارى مراسلتان، واحدة تابعة لقناة "الجديد"
والثانية تابعة لقناة "ال بي سي"، على استجواب المخطوف إياه، وكأنه أصلاً
كان حراً في الموافقة على الظهور على شاشتيهما حتى يكون حراً في قول ما
قاله لملايين المشاهدين.
ماذ كان في المشهد؟ كانت الكاميرا "مفوكسة" على وجه المخطوف "النقيب في الجيش السوري الحر محمد" والذي اختطفه "الجناح العسكري لأل المقداد" ردا على خطف الجيش السوري الحر لأبنهم حسان المقداد وظهوره "مفجماً" من التعذيب "معترفاً" بانه مرسل من "حزب الله لدعم نظام بشار الشيعي". وأمام وجه النقيب تزاحم ميكروفونا "ال بي سي" و"الجديد" للاقتراب من فمه حيث "نبع الحقيقة". وليكتمل المشهد، كان صوت الخاطف يسمع عالياُ وهو يحثه، بالشتائم، على "الٌإقرار" بما سبق أن "أعترف" به.
على ماذا كانت المراسلتان تتباريان؟ على طرح الاسئلة بوتيرة سريعة لدرجة تحرم الأخرى فسحة كافية من الوقت "تتسلل" منها لطرح اسئلتها!
وللمفارقة، وبما أننا لم نكن نرى أياً من المراسلتين، بل فقط الميكروفونين الحاملين لشعار المحطتين امام وجه المخطوف المدمّى من الضرب، فإننا بالتالي لم نكن نعلم أيهما كانت تطرح السؤال لنعرف من سبق من؟ حتى لما أردت بشدة أن أعرف من منهما طرحت ذلك السؤال العبقري وهو" هل انت مضغوط عليك لقول هذا؟" اي قوله بانه نقيب في الجيش الحر، لم استطع للأسف. كان عليكم رؤية تعبير وجهه وهو يهمس بصوت لا يكاد يسمع أن أحداً "والله" لم يضغط عليه! لم يكن ينقص إلا سؤاله إن كان مخطوفاً!
ما الفارق بين مشهد رهينة تقرأ بيان الخاطفين، وقد وقف هؤلاء خلفها مسلحين وملثمين، وبين مراسلة تقابل مخطوفاً يقف خاطفوه مسلحين بجانبه، وقد بدت آثار "الاعتراف" بإنه "مذنب" على وجهه؟ ما الفارق بين الخاطف و"الاعلام" في هذه الحالة؟ أجزم أن فيديو الرهائن التقليدي أفضل أخلاقياً ألف مرة من هذه المقابلة المذلة أنسانياً ومهنياً.
وان كانت المراسلتين المذكورتين أعلاه "تهن" بالمعنى المهني، وقبلتا بتلك المقابلة، كيف تقبل القناة، وفيها محترفون (بالمبدأ) بثها إن لم يكن الغرض، فقط، طمأنة أهله الى أنه لا يزال حياً؟ لا أفهم.
بدت التلفزيونات في فترات من سباق الهواء المفتوح أمس، خاصة بعد اشتداد الشائعات (التي ساهمت هي بنشرها)، مجردة من أي حسابات غير حسابات المنافسة. كأنه "لا وقت للتفكير" وبالتالي لا وقت للأخلاق، فالموضوع جلل: من يسبق من؟ أما على ماذا؟ لم يبد الجواب للمتابعين هاما.
هذه صورة بسيطة من يوم البث الهستيري الطويل، الذي بدا واضحا أنه كان حلقة حامية من حلقات حرب "الأجهزة" المتصارعة على الساحة الاقليمية، والتي لم تتوقف أمس عن استخدام مختلف وسائل الاتصال لضخ إشاعات وإشاعات مضادة، بما فيها الرسائل النصية والتسريبات غير المأمونة، لمجرد بث الفوضى. صورة ربما لم تستغرق أكثر من دقيقتين من يوم كامل، اختلطت فيه التراجيديا المبكية بالكوميديا السوداء التي تفوقت بسورياليتها على أكثر مشاهد مسرحية "لولا فسحة الامل" و"نزل السرور" و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد" (مع بعض) كاريكاتورية.
اما حصيلة اليوم فقد كانت مخيبة للآمال: وصل الاعلاميون لاهثين ومنهكين آخر النهار بدون ان يكون لديهم تقريباً أي خبر واضح عن حال المخطوفين ال11 في عزاز او مخطوف آل المقداد او ابن معروب لؤي محمد منصور المختفي منذ اسبوع. اما "ضيوف" آل المقداد، و"ضيوف" أهالي "ضيوف أبو ابراهيم"، فقد كانوا جميعاً مع خاطفيهم، وبرغم كل ما فعلوه كلهم، وفي سلة واحدة، ضحايا صراع دولي واقليمي لا ناقة لهم فيه ولا جمل، ولدولة، دخلت منذ سنوات في غيبوبة، لم يوقظها منها أمس الا خطف "الجناح العسكري لأل المقداد" مواطناَ.. تركياً.
لكنها كانت لحظات فقط، عادت بعدها لتغط في سباتها العميق ...على طاولة الحوار.
ماذ كان في المشهد؟ كانت الكاميرا "مفوكسة" على وجه المخطوف "النقيب في الجيش السوري الحر محمد" والذي اختطفه "الجناح العسكري لأل المقداد" ردا على خطف الجيش السوري الحر لأبنهم حسان المقداد وظهوره "مفجماً" من التعذيب "معترفاً" بانه مرسل من "حزب الله لدعم نظام بشار الشيعي". وأمام وجه النقيب تزاحم ميكروفونا "ال بي سي" و"الجديد" للاقتراب من فمه حيث "نبع الحقيقة". وليكتمل المشهد، كان صوت الخاطف يسمع عالياُ وهو يحثه، بالشتائم، على "الٌإقرار" بما سبق أن "أعترف" به.
على ماذا كانت المراسلتان تتباريان؟ على طرح الاسئلة بوتيرة سريعة لدرجة تحرم الأخرى فسحة كافية من الوقت "تتسلل" منها لطرح اسئلتها!
وللمفارقة، وبما أننا لم نكن نرى أياً من المراسلتين، بل فقط الميكروفونين الحاملين لشعار المحطتين امام وجه المخطوف المدمّى من الضرب، فإننا بالتالي لم نكن نعلم أيهما كانت تطرح السؤال لنعرف من سبق من؟ حتى لما أردت بشدة أن أعرف من منهما طرحت ذلك السؤال العبقري وهو" هل انت مضغوط عليك لقول هذا؟" اي قوله بانه نقيب في الجيش الحر، لم استطع للأسف. كان عليكم رؤية تعبير وجهه وهو يهمس بصوت لا يكاد يسمع أن أحداً "والله" لم يضغط عليه! لم يكن ينقص إلا سؤاله إن كان مخطوفاً!
ما الفارق بين مشهد رهينة تقرأ بيان الخاطفين، وقد وقف هؤلاء خلفها مسلحين وملثمين، وبين مراسلة تقابل مخطوفاً يقف خاطفوه مسلحين بجانبه، وقد بدت آثار "الاعتراف" بإنه "مذنب" على وجهه؟ ما الفارق بين الخاطف و"الاعلام" في هذه الحالة؟ أجزم أن فيديو الرهائن التقليدي أفضل أخلاقياً ألف مرة من هذه المقابلة المذلة أنسانياً ومهنياً.
وان كانت المراسلتين المذكورتين أعلاه "تهن" بالمعنى المهني، وقبلتا بتلك المقابلة، كيف تقبل القناة، وفيها محترفون (بالمبدأ) بثها إن لم يكن الغرض، فقط، طمأنة أهله الى أنه لا يزال حياً؟ لا أفهم.
بدت التلفزيونات في فترات من سباق الهواء المفتوح أمس، خاصة بعد اشتداد الشائعات (التي ساهمت هي بنشرها)، مجردة من أي حسابات غير حسابات المنافسة. كأنه "لا وقت للتفكير" وبالتالي لا وقت للأخلاق، فالموضوع جلل: من يسبق من؟ أما على ماذا؟ لم يبد الجواب للمتابعين هاما.
هذه صورة بسيطة من يوم البث الهستيري الطويل، الذي بدا واضحا أنه كان حلقة حامية من حلقات حرب "الأجهزة" المتصارعة على الساحة الاقليمية، والتي لم تتوقف أمس عن استخدام مختلف وسائل الاتصال لضخ إشاعات وإشاعات مضادة، بما فيها الرسائل النصية والتسريبات غير المأمونة، لمجرد بث الفوضى. صورة ربما لم تستغرق أكثر من دقيقتين من يوم كامل، اختلطت فيه التراجيديا المبكية بالكوميديا السوداء التي تفوقت بسورياليتها على أكثر مشاهد مسرحية "لولا فسحة الامل" و"نزل السرور" و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد" (مع بعض) كاريكاتورية.
اما حصيلة اليوم فقد كانت مخيبة للآمال: وصل الاعلاميون لاهثين ومنهكين آخر النهار بدون ان يكون لديهم تقريباً أي خبر واضح عن حال المخطوفين ال11 في عزاز او مخطوف آل المقداد او ابن معروب لؤي محمد منصور المختفي منذ اسبوع. اما "ضيوف" آل المقداد، و"ضيوف" أهالي "ضيوف أبو ابراهيم"، فقد كانوا جميعاً مع خاطفيهم، وبرغم كل ما فعلوه كلهم، وفي سلة واحدة، ضحايا صراع دولي واقليمي لا ناقة لهم فيه ولا جمل، ولدولة، دخلت منذ سنوات في غيبوبة، لم يوقظها منها أمس الا خطف "الجناح العسكري لأل المقداد" مواطناَ.. تركياً.
لكنها كانت لحظات فقط، عادت بعدها لتغط في سباتها العميق ...على طاولة الحوار.