في البلد الأكثر تعاطيا للجريمة بدأ بعض
أفراد العصابات الإجرامية يتجهون للإسلام لما يجدون فيه من سكينة، حتى أن
بعضهم ينشط في الدعوة للدين وكبح جماح العنف. مراسل موقع الجزيرة الإنجليزي
داريوز زيوانيسكي أعد هذا التقرير من مدينة كيب تاون.
كشف عبد الرحمن عن أكمامه ليرينا الندوب الناجمة عن الجروح
التي أصيب بها من جراء تبادل إطلاق نار، ثم عرض لنا الوشوم التي تغطي جسده
والتي تمثل السنين التي قضاها مع أفراد "عصابة باكستريت" في منطقة هانوفر
بارك بمدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا.
قال عبد الرحمن "لقد تعرضت لإطلاق النار مرتين في ذراعي
ومرتين في رجلي"، أما في أسفل العنق فقد بدت ندبة جراء تعرضه للطعن، وأطلق
ضحكة حزينة وهو يروي لنا حكاية كان من الممكن أن تنتهي بقتله.
واستطرد يقول "كان ذلك منذ عقد من الزمن، أما اليوم فإن عبد
الرحمن وزميل سابق له في عصابة باكستريت يدعى خيام فري -وهو قاتل مدان-
يعملان معا كمستشارين في برنامج هانوفر بارك لوقف إطلاق النار الذي يتضمن
عشرة من أعضاء العصابات السابقين".
ويعد هذا البرنامج جزءا من جهد لمنع انتشار العنف عن طريق
التحري ومنع المواجهة وتحديد هوية الأشخاص الذين هم على درجة كبيرة من
الخطورة، والتعامل معهم وتغيير أنماط السلوك الاجتماعي لديهم.
عبد الرحمن يعرض وشوم العصابات المنقوشة على جسده (الجزيرة) |
اعتنق كل من عبد الرحمن وفري الإسلام، وقد سهل لهم دينهما
خروجهما من عالم الجريمة كما يقول فري "تغيرت الأمور بعد إنهائي لحكم
بالسجن سبع سنوات بتهمة القتل، فقد قتل أصدقائي وفقدت الكثير من أصحابي،
وعليه فقد قررت تغيير نمط حياتي وفقا لمفاهيم ديني".
بعد السجن, جاءت نقطة التحول في حياة عبد الرحمن، عندما التقى
زوجته المسلمة. وقد وفر له اعتناقه الإسلام ما كان ينقصه من "منظومة
عقائدية". سهل ذلك له خروجه من عالم الجريمة وبات هو وفري يستخدمان الإسلام
لمنع عنف الجريمة.
لكل من الرجلين طريقته ووسائله الخاصة، ولكن بشكل عام هما
يعظان ويشرحان أهداف برنامج وقف إطلاق النار الخاصة بعدم اللجوء إلى العنف.
ونظرا لكونهما مستشارين لوقف إطلاق النار, فقد تلقيا تدريبا مكثفا في
طريقة التعامل والتوسط لوقف أعمال العنف.
وقد أفادتهما حالتهما الخاصة في شرح تجربتها الشخصية، كونهما
عضوين سابقين في عصابات الإجرام، ويربطان جنوحهما للسلم بدينهما الحنيف
ليرويا ويشرحا للشباب المنخرطين في عالم الجريمة، كيف يمكنهم هم أيضا أن
يشعروا بالطمأنينة التي يشعران بها اليوم.
تقع ضاحية هانوفر بارك على مسيرة عشرين دقيقة بالسيارة خارج
مركز مدينة كيب تاون النابض بالحياة، وتسكنها مجموعات مهملة يضرب الفقر
فيها أطنابه وتعرف باسم كيب فلاتس.
وغالبا تكون الجريمة والعنف جزءا من مشهد الحياة اليومي، وفي
دراسة حديثة تبين أن 93,1% من المراهقين بين 12 و15 سنة في حي هانوفر بارك
تعرضوا لأكثر من نوع من العنف.
وبسبب المشاكل المنزلية فإن الشباب يدفعون في كثير من الأحيان
إلى الشوارع وينضمون إلى عصابات الجريمة سعيا للحماية أو من أجل كسب
الاحترام في بيئة تفتقر لفرص عمل واعدة.
ونتيجة لتلك الظروف فإن المسؤولين في مدينة كيب تاون يقدرون
عدد عصابات الإجرام بين مئة و120 عصابة في مقاطعة الكاب الغربية، ويبلغ عدد
أعضائها بين ثمانين ألف ومئة ألف شخص.
وقد انضم عبد الرحمن إلى الحركات الدينية العالمية المتطرفة
وعصابات الإجرام فيما يعرف بالكاب فلاتس، وقال "هل تعرفون سبب تحول الناس
إلى التطرف؟ إنه الفقر والقمع وهذا قد ينسحب على العصابات, فما من شيء يسير
على ما يرام داخل البيت ولا توجد أعمال ووظائف، وهذا ما يحشره في
الزاوية".
وسط هذه الظروف المضطربة، يستهدف الصغار من سن العاشرة تقريبا
من أجل تجنيدهم وإغرائهم بالمال والملابس والمخدرات للالتحاق بالعصابات.
وعلاوة على حل نزاعات العصابات، يقوم برنامج وقف إطلاق النار
بمساعدة الشباب والشابات على التخلص من حياة العصابات والإجرام، ومن بين
هؤلاء طاهر كيلي ابن الواحد والثلاثين عاما. هو مسلم يخضع لبرنامج إعادة
التأهيل لمدة ستة أسابيع واعترف بأنه في حياته السابقة كان عرضة للتهديد
ويشكو من عدم الاستقرار بشكل دائم.
أمضى كيلي أربع سنوات في السجن بانتظار محاكمته بتهمة الشروع
في القتل، كونه كان عضوا في عصابة ويست سايدرز الخطيرة. وقد برئ من التهم
الموجهة إليه في نهاية المطاف.
ويصف كيلي كيف أثر الإسلام إيجابا على حياته وقال "أصبح
الإسلام في قلبي، بحيث لو كانت لدي بندقية ورأيت عدوي أمامي، فإني لن أطلق
النار عليه، بل سأدعه وشأنه لأني إن أطلقت النار عليه فإن ذلك سيكون بمثابة
خطيئة سيئة".
واستطرد يقول "لا مجال للتفكير للعودة إلى حياة العصابات الإجرامية ولن أحمل السلاح إطلاقا بعد الآن".
ومن المقرر أن تنتهي دورة كيلي في برنامج إعادة التأهيل بعد
أيام قليلة في غرة رمضان، وتعهد بأن يكون شخصا آخر، خاصة بعد إتمام صيام
الشهر الفضيل، وتعهد أن تستمر حياته على ذلك المنوال.
إلا أن ترك حياة الجريمة أمر بالغ الصعوبة، حيث إن قبول شخص
في عضوية عصابة ما تكون عادة مرتبطة بما يسمى "عهد الدم". وبالنسبة لأعضاء
العصابات فإن الطاعة العمياء هي السبيل الوحيد للعيش خارج السجن أو لتجنب
الموت.
وفي ثقافة العصابات لا يمكن للشخص ترك العصابة دون سبب مقنع
مثل الدين، كما يقول فري، الذي استطرد يقول "وعليه فإن الإسلام كان الأساس
بالنسبة لي وهو السبب في الخروج من العصابة".
ويعتبر الدين واحدا من الموارد الاجتماعية القليلة في مجتمع
تندر فيه فرص العمل وعوامل الحياة الكريمة، وبالنسبة للإسلام فهو في هذا
السياق لا يوفر النظام العقائدي والتشريعي فحسب، بل إنه مجتمع وهوية وخلاص
من حياة الجريمة.
وتكشف الإحصائيات الخاصة ببرنامج وقف إطلاق النار عن التأثير
القوي للدين وخاصة الإسلام في كبح جماح العنف، وكما قال القس إنغيل "يوم
الجمعة يوم مقدس للمسلمين ولكن يوم الخميس ينظر إليه على أنه يوم هدوء
وراحة استعدادا لهذا اليوم. وعليه فإنه من المحظور عمليا إطلاق النار في
هذين اليومين".
يقول عبد الرحمن "نظرا لأننا نرى في أنفسنا إنسانية فقد قمنا
بالتغيير. ويمكن للعقيدة الإسلامية أن تلعب دورا أساسيا في إحداث مثل هذا
التغيير".
أما فري فأضاف يقول "يعتبر الإسلام نموذجا عظيما بالنسبة
للمجتمع وإذا ما مورس بالطريقة الصحيحة فإن الأمور يمكن أن تتغير وهو ما
عليك الإيمان به بقلب نظيف وعقل نظيف وإيمان بأن الأمور يمكن أن تتغير".
No comments:
Post a Comment